صفات الشخصية المتقلبة: بين العوامل النفسية والتشخيص الطبي
دعنا نبدأ بمفهوم الصفات الشخصية المتقلبة. عندما نتحدث عن الصفات الشخصية المتقلبة، نشير إلى تلك الصفات التي تتغير بشكل ملحوظ في السلوك والمزاج والتفكير لدى الفرد. قد يظهر الشخص الذي يعاني من الصفات الشخصية المتقلبة تقلبات مفاجئة في مزاجه، وتغيرات في نمط تفكيره، وسلوك غير متناسق.
تعتبر الصفات الشخصية المتقلبة أحد مظاهر اضطراب الشخصية، وهو اضطراب يتسم بنمط ثابت وعميق للسلوك والتفكير والعواطف يتسم بالصلابة والتكرار. في الواقع، يعتبر اضطراب الشخصية المتقلبة واحدًا من أنواع الاضطرابات الشخصية، والذي يُعتبر بشكل عام مرضًا نفسيًا.
هناك عدة صفات تشترك فيها الأشخاص الذين يعانون من الصفات الشخصية المتقلبة، من بينها
عدم الاستقرار العاطفي:
يُعتبر عدم الاستقرار العاطفي واحدًا من السمات الرئيسية للاضطرابات الشخصية، بما في ذلك اضطراب الشخصية المتقلبة. يُظهر عدم الاستقرار العاطفي نفسه على شكل تقلبات مفاجئة وشديدة في المشاعر والعواطف.
في سياق الصفات الشخصية المتقلبة، يمكن أن يعاني الفرد من عدم الاستقرار العاطفي بطرق عدة، منها:
تقلبات المزاج:
قد يشعر الفرد بتقلبات مفاجئة في المزاج، مثل الفرح الشديد يليه الحزن العميق دون سبب ظاهر.
ردود الفعل الزائدة:
يمكن للفرد أن يظهر ردود فعل عاطفية غير متناسقة للأحداث اليومية، مثل الغضب الشديد أو الحزن المكثف بشكل غير متوازن مع الحدث.
التبلُّد العاطفي:
يمكن أن يتجسد عدم الاستقرار العاطفي أيضًا في تجاهل أو تقليل للمشاعر، حيث يظهر الشخص قلة في التفاعل العاطفي أو الاهتمام بالأحداث الهامة.
العلاقات العاطفية الغير مستقرة:
يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار العاطفي إلى علاقات شخصية غير مستقرة ومتقلبة، حيث يصعب على الشخص الاستمرار في العلاقات الطويلة الأمد أو العلاقات القريبة.
تلك التقلبات العاطفية يمكن أن تكون شاقة للشخص الذي يعاني منها، وتؤثر على جودة حياته الشخصية والعلاقات الاجتماعية والمهنية. عندما يكون هذا العدم الاستقرار العاطفي مستمرًا ومؤثرًا سلبًا على الحياة اليومية، فإنه قد يكون علامة على وجود مشكلة نفسية تتطلب العلاج والدعم النفسي
انعدام الهوية الذاتية الثابتة:
انعدام الهوية الذاتية الثابتة يشير إلى صعوبة الشخص في تحديد وتمييز هويته الشخصية، والشعور بالثبات والتماسك في الصورة الذاتية عبر الزمن وفي مختلف السياقات. هذا الانعدام يعكس عدم الاستقرار الداخلي والشعور بالتشتت والتباين في الصفات والقيم والمعتقدات التي يمكن أن يشعر بها الشخص.
تظهر أعراض انعدام الهوية الذاتية الثابتة بشكل متنوع، منها:
قلة التماسك الذاتي:
الشخص قد يجد صعوبة في وضع صورة متجانسة عن نفسه، وقد يشعر بعدم الارتباط بشكل ثابت مع نواحي حياته الشخصية والمهنية.
التقلب في الهويات الشخصية:
الشخص قد يعاني من التقلب في الهويات المختلفة التي يتبناها في مختلف السياقات الاجتماعية، مما يؤدي إلى الشعور بالتشتت وعدم الاستقرار الذاتي.
الشعور بالفراغ الذاتي:
الشخص قد يشعر بعدم الانتماء الثابت لأي هوية محددة، مما يؤدي إلى الشعور بالفراغ الداخلي والانعزال العاطفي.
التأثر بتأثير الآخرين على الهوية:
قد يكون الشخص معرضًا بشكل كبير لتأثير الآخرين على تصوره عن الذات، مما يزيد من التقلب في الهويات المختلفة التي يتبناها.
هذه الصعوبات في تحديد الهوية الذاتية يمكن أن تكون مرتبطة بعدة عوامل، بما في ذلك الخلفية النفسية والاجتماعية والثقافية للفرد، بالإضافة إلى التجارب الحياتية السابقة والتفاعلات مع الآخرين. يمكن للعلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الشخصي، مساعدة الشخص على استكشاف هويته الذاتية وتحديد القيم والمعتقدات الأساسية التي تعرفه
انعدام الاستقرار في الهدف والمسار الحياتي:
قد يواجه الفرد صعوبة في الاستقرار على هدف واحد في الحياة، وقد يتغير مساره المهني والشخصي بشكل متكرر.
السلوك الانفعالي والتصرفات الاندفاعية:
السلوك الانفعالي والتصرفات الاندفاعية تشير إلى نوع من التصرفات التي تتميز بالتفاعل السريع والغير متوقع مع المواقف أو الأحداث، وعادة ما تكون مرتبطة بردود فعل عاطفية قوية. يمكن أن تكون هذه التصرفات غير متناسبة مع الوضع أو السياق، وقد تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها.
من الأمثلة على السلوك الانفعالي والتصرفات الاندفاعية:
الغضب الشديد والانفعال السريع:
عند مواجهة موقف محدد أو تحديات معينة، يمكن أن يندفع الشخص بشكل مفاجئ في تصرفات غاضبة أو عدائية، قد تكون خارجة عن السيطرة.
الإنفاق الزائد:
في حالات الاندفاع العاطفي، قد يقوم الشخص بالإنفاق الزائد على الأشياء دون تفكير مدروس، مما يؤدي إلى مشاكل مالية.
التصرفات الاعتمادية:
يمكن أن ينتج السلوك الانفعالي عن الاعتماد الزائد على الآخرين أو على المواد السامة مثل المخدرات أو الكحول لتخفيف الضغط العاطفي.
السلوك المتهور والمخاطرة:
في بعض الحالات، يمكن أن يقوم الشخص باتخاذ قرارات متهورة ومخاطرة دون التفكير في العواقب، مما قد يؤدي إلى إصابات أو مشاكل جسدية أو نفسية.
تتسبب هذه التصرفات الاندفاعية في مشاكل في العلاقات الشخصية والمهنية، ويمكن أن تؤثر سلبًا على الحياة الشخصية بشكل عام. تُعتبر هذه التصرفات جزءًا من اضطراب الشخصية المتقلبة وغيرها من الاضطرابات النفسية، وتحتاج في بعض الأحيان إلى علاج نفسي للتحكم فيها والتعامل معها بشكل فعّال
بصفة عامة
تشخيص الصفات الشخصية المتقلبة يتم عادةً من خلال التقييم النفسي من قبل محترفي الصحة النفسية، مثل الأطباء النفسيين أو المعالجين النفسيين. يعتمد التشخيص على مراجعة تاريخ الحالة الشخصية والأعراض الملاحظة، بالإضافة إلى تقييم العوامل البيئية والنفسية التي قد تؤثر على الشخص.
وفيما يتعلق بسؤال ما إذا كانت الصفات الشخصية المتقلبة تعتبر مرضًا نفسيًا، فإن إجابة ذلك تعتمد على مدى تأثير هذه الصفات على حياة الفرد وقدرته على الوظيفة اليومية والعلاقات الشخصية. إذا كانت الصفات الشخصية المتقلبة تسبب مشاكل كبيرة في الحياة الشخصية، مثل العلاقات المضطربة، وعدم الاستقرار المهني، والمشاكل الصحية النفسية، فقد يتم تشخيص الشخص بمرض نفسي.
من الجدير بالذكر أن اضطراب الشخصية المتقلبة يمكن أن يكون صعب التعامل معه، ولكن يمكن إدارته وعلاجه من خلال العلاج النفسي والدوائي في بعض الحالات. يمكن للعلاج النفسي، مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج الشخصي، مساعدة الأفراد على فهم أسباب سلوكهم وتعلم مهارات التكيف الأفضل. وفي بعض الحالات، قد يوصي المعالج بالعلاج الدوائي لمساعدة في التحكم في الأعراض.
بشكل عام، يجب على الأشخاص الذين يعانون من التقلبات الشخصية الشديدة أو الذين يشعرون بأنهم يعانون من مشاكل في التكيف مع الحياة اليومية التحدث مع محترفي الصحة النفسية لتقييم حالتهم والحصول على المساعدة اللازمة